(لمحة من واقع الحياة في عصرنا الحاضر)
لا أدري ما الذي حمل بعض الناس من المتزمتين المتعصبين على الظن بان الفتاة لا تتمكن من التعلم والمحافظة على دينها وعفتها وأدبها وتهذيبها .
ولا أدري ما الذي دفع بالمعترض على تعليم الفتاة الى هذا القول ؛ ولا أعلم ما هذا الغشاء الذي قام امام عينيه فلم يعد ينظر فوائد العلم والتهذيب ، على ضوء تعاليم الدين والايمان . هذه الفوائد التي لا ينكرها إلا من اعمى بصيرته الجهل ، وخيم فوق رأسه الغرور ، وقيده حب الذات والانانية .
وكأني به وقد رأى الناس كل يبدي رأيه ويتكلم بما يجول بخاطره ، فأراد ان يتكلم ... ولكنه بحث في زوايا دماغه ، وفتش في مخبئات قريحته ، فلم يجد غير مذهب أبي العلاء المعرّي وأتباعه من المتزمتين ... فاتخذه برهاناً وأدلى به حجة ودليلاً .
فهل يظن هذا المعترض الغبي ان العلم خلق للرجل ! أو ان المعرفة والأدب وقف على الرجال ؟!
لعمرى انه في ضلال مبين ، وخطأ كبير ، وتزمت ظاهر ، وتعصب أعمى لا يوجد له مبرر .
ان كثيراً من الناس في زماننا هذا ، وفي اكثر المجتمعات الجاهلة الذين يسمون انفسهم محافظين ، هم عن الايمان بعيدون ، هؤلاء المتعصبون اعداء المرأة ، المتزمتون المنطوون على أنفسهم ، يريدون ان تبقى المرأة ترسف في اغلال من الحرمان والحيف ، يريدون منها ان تكون جليسة البيت لاهمَّ لها إلا الأكل والشرب ، شأن الحيوان الاعجم ( همه علفه )
فكم من امرأة عاقلة حباها الباري ، سبحانه وتعالى من المواهب والذكاء ، مالو انها حالفها الحظ ، واتيح لها الانطلاق ، ومهدت أمامها السبيل لأرتشاف العلم وانتهال معين المعرفة لتفوقت وأصبحت من الاعلام البارزين .
وكم من النساء الموهوبات اللواتي يتحسرن على العلم والتعليم ولا يكاد يسمع لهن صوت ، ولا يتبين لهن حركة ، قد شلت منهن الهمم وتخدرت المواهب ، فهن مغمورات قد القت بهن الاقدار اما ببيئة جاهلة ... لا تقدر العلم والادب ، او عند رجال متزمتين لا يرون ان المرأة خلقت لتتعلم وتتثقف كما ذكرنا ، ولكنها خلقت لإسعاد الرجل وخدمته .
عشرات النساء من اللواتي حصلن على نصيب من العلم والمعرفة والأدب ، وحباهن الباري سبحانه وتعالى بقسط وافر من الذكاء والفطنة ، ولكن عبس بوجههن الزمن ، وعابحبكهن القدر ، فانطوين على انفسهن وراء متاعب الحياة ومعاندة الظروف ومصاعب العيش .
وقفن حائرات متطلعات الى موكب الحياة الصاخب ... بنفوس ملتاعة حساسة ... وقلوب حية ... وشعور فياض : مـا كل ما يتمنى المـرء يدركه تجرى الرياح بما لاتشتهي السفن
أجل بعد ان عبس بوجههن القدر ، وتنكرت لهن الايام وقفن ذاهلات ... متحسرات ... متألمات ... متأوهات يكبتن الحس والشعور والمواهب والذكاء والفطنة ... يواجهن حقائق الدنيا الصلدة متخاذلات متقاعدات وبما كتب الله لهن قانعات ... على امرهن مغلوبات ... وعلى جور المتعنتين والمتزمتين صابرات .
وقانا الله شر الجهل والجور والظلم وهدانا جميعاً لسلوك طريق الصواب .