(ركن الاسرة-مقارنة بين المنهج الإسلامي والمنهج المادي ـ ثالثاً : النظرة الواقعية/3)
3 - تعدّد الزوجات
من المسائل التي يختلف فيها المنهج الاُسري في الإسلام عن المنهج المادي أن الأول يقرّ ـ من حيث المبدأ ـ تعدد الزوجات ضمن شروط معينة ، بينما الثاني لا يقرّ ذلك ويشنّع أشدّ التشنيع على التشريع الإسلامي ، ويرى بأنه يتعارض مع كرامة المرأة وإنسانيتها. وقد ذهب بعض قادة الغرب بعيداً في حملة النقد ، فقد اعتبر اللورد « كرومر » المعتمد البريطاني في مصر : ( أنّ السبب في تأخّر المسلمين هو تعدّد الزوجات ) (1).
وقد ردّد أعلام العلمانية في بلداننا هذه المزاعم الباطلة دون تمحيص أو تحقيق ، فمثلاً يرى كمال أتاتورك : ( أن حق الرجل في الزواج من أكثر من واحدة شرّ اجتماعي ) وألغاه بجرّة قلم دون أي وازع ديني (2).
علماً بأن تعدد الزوجات كان هو النظام السائد إلى ما قبل الإسلام ، فالفرس والرومان وغيرهم كانوا يعدّدون الزوجات ، ولم يعرف أن أُمّة في القديم منعت التعدد إلاّ مصر ، ولكنها كانت تتحلل من القيد المانع بجعل من تجيء بعد الزوجة الاُولى في منزلة دونها (3).
وفي الحضارة الصينية والفارسية يجوز تعدد الزوجات ولكن الزوجة الثانية وما بعدها تعتبر زوجة من الدرجة الثانية ، أي الخادمة ، لا تتمتع بالحقوق التي تتمتع بها الزوجة الاُولى (4).
أما الإسلام فقد سلك مسلكاً وسطاً ، فلم يمنع التعدد السائد ، ولم يسمح به إلى عدد غير محدَّد ، قد يُلحق الضرر بالتزامات الرجل الاُسرية.
وعليه فحلّل له الاقتران على نحو الدوام بأربعة نساء كحدّ أعلى ، وفرض عليه نفقتهنّ ومعاملتهنّ بالعدل والإحسان ، ولم يسمح له بالنظرة الدونية للزوجة الثانية وما بعدها.
ويبرز الطابع الواقعي في المنهج الإسلامي أنه قد فرض عليه العدل في النفقة ولم يكلّفه ما لا يطيق بالعدل في المودّة.
وقد سأل أبو جعفر الأحول أبا عبدالله الصادق عليه السلام عن الفرق بين قوله تعالى : «فانكحوا ما طابَ لكم من النساء مثنى وثُلاث ورُباع فإنّ خفتم ألاّ تعدِلوا فواحدة» (5) ، وقوله تعالى : «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم» (6).
فقال عليه السلام : أما قوله : «فإنّ خفتم ألا تعدلُوا فواحدة» فإنّما عنى في النفقة ، وقوله : «ولن تستطيعوا» فإنّما هي في المودّة ، فإنّه لا يقدر أحد أن يعدل بين أمرأتين في المودّة (7).
الأمر الآخر هنا أنّ السُنّة الشريفة تحذّر الزوج من العواقب الاُخروية المترتّبة على الإخلال بالعدالة ، يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه وماله ، جاء يوم القيامة مغلولاً مائلاً شقّه حتى يدخل النار (
.
والعدالة لا تقتصر على الجانب الماديّ ، بل تمتدّ لتشمل الجانب الجنسي أيضاً ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : في الرجل يكون عنده امرأة فيتزوّج أخرى ، كم يجعل للتي يدخل بها ؟ قال : « ثلاثة أيام ثم يقسم » (9) .
يبقى القول إنّ تحريم التعدد قد يدفع بعض الناس نحو الزنا ، وذلك أن عدد النساء في العالم يزيد على عدد الرجال ، ويزداد الفرق بينهما في العدد كلّما نشبت الحروب وحصدت رقاب عدد من الرجال فيختلّ ـ لامحالة ـ التوازن العددي بين الجنسين ، إذ سيبقى عدد من النساء بدون زواج وبالتالي عرضة للانحدار نحو مستنقع الفساد.
ويبدو أن الحروب لم تكن الدافع الوحيد الذي حمل بعض المفكرين المنصفين على القول بضرورة نظام تعدد الزوجات ، وإنما حملهم على ذلك شيوع ظاهرة اتخاذ الخليلات التي غدت ظاهرة خطيرة تثير القلق في أوساط المجتمع الغربي المعاصر ، بحيث أصبح لكلِّ رجل عدد من الخليلات يشاركن زوجته في رجولته ورعايته ونفقته !
يقول شوبنهور الفيلسوف الالماني : ( لقد أصاب الشرقيون في تقريرهم لمبدأ تعدد الزوجات ؛ لأنه مبدأ تحتمه وتبرره الإنسانية ، فالعجب أن الاوربيين في الوقت الذي يستنكرون فيه هذا المبدأ يتّبعونه عملياً ، فما أحسب أن بينهم من يُنفّذ مبدأ الزوجة الواحدة على وجهه الصحيح ) (10).
ويقول جوستاف لوبون : ( إنّ تعدد الزوجات المشروع عند الشرقيين أحسن من عدم تعدد الزوجات الريائي عند الاوربيين ، وما يتبعه من مواكب أولاد غير شرعيين ) (11).
بقي علينا أن نشير إلى أن الفطرة الواقعية تستلزم حلّية التعدّد في حالات عديدة ، فعلى سبيل المثال نجد أن البعض تكون رغبته في النسل شديدة ولكنه رزق بزوجة لا تنجب لعقم أو مرض أو غيره ، أفلا يكون من غير المناسب حرمانه من رغبته المشروعة في الزواج ثانية من امرأة تحقّق له حلمه المنشود ؟!
وعليه نرى أنّ نظام تعدد الزوجات ينطوي على حلول حكيمة للعديد من المشكلات التي تعترض نظام الاُسرة ، وفيه تتجلى واقعية المنهج الإسلامي ، وصوابيته في حلّ المشكلة الجنسية من خلال الشرعية.
أما المنهج المادي فإنّه يحلّها من خلال الإباحية ، وهكذا نجد أن فرويد : ( يدعو إلى إشباع الرغبة الجنسية ، وذلك لأنّ الإنسان صاحب الطاقة الجنسية القوية ، والذي لا تسمح له النصرانية إلاّ بزوجة واحدة ، فأما أن يرفض قيود المدنية ، ويتحرر منها باشباع رغباته الجنسية ، وإما يكون ذا طبيعة ضعيفة لا يستطيع الخروج على هذه القيود فيسقط صاحبها فريسة للمرض النفسي ونهبة للعقد النفسية ) (12).
والمفارقة العجيبة أن فرويد الذي يبرر الإباحية يغفل عن التعدد الذي يحفظ كرامة الإنسان وحقوقه ويحافظ على إنسانيته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تنظيم الاُسرة وتنظيم النسل | أبو زهرة : 11.
(2) حول الدعوة إلى تطبيق الشريعة | حسين أحمد الأمين : 75.
(3) اُنظر : تنظيم الاُسرة | أبو زهرة : 60.
(4) المرأة في التصور الإسلامي | محسن عطوي : 24.
(5) سورة النساء : 4 | 3.
(6) سورة النساء : 4 | 129.
(7) تفسير القمي : 143.
(
وسائل الشيعة 15 : 342 كتاب النكاح أبواب القسم والنشوز.
(9) وسائل الشيعة 15 : 339 كتاب النكاح أبواب القسم والنشوز.
(10) أحكام الاُسرة في الإسلام | محمد مصطفى الشبلي : 241.
(11) أحكام الاُسرة في الإسلام : 241.
(12) الموسوعة الميسرة : 382.